المقاولاتية والرهانات الاقتصادية الكبرى

تعتبر المقاولاتيّة أو ريادة الأعمال أهمّ ظاهرة في القرن الواحد والعشرين، وأضحت تستقطب إهتمام الأفراد والمجتمعات والحكومات وشتّى الهيآت والمنظمات المحليّة والعالميّة، وذلك بإعتبار أدوارها أولاً في عالم التشغيل ومنه معالجة ظاهرة البطالة في أوساط إجتماعيّة مختلفة، وكذلك في عالم الإبداع والإبتكار بتسخير المعرفة العلميّة والتكنولوجيّة ومنه تثمين أفكار الموهوبين والطاقات البشرية الذكيّة في مختلف التخصصات والمجالات بهدف معالجة المشاكل الاقتصاديّة والإجتماعيّة والتكنولوجيّة والبيئيّة. ولقد برزت في عالم المقاولاتيّة الحديث عبارة أو مصطلح “المنشأة الصاعدة” أو “المنشأة المنطلقة” (START-UP) لتتداول بشكل واسع جدّاً عبر ألسنة العام والخاص وضمن مختلف المؤلفات والمنشورات والندوات ووسائل الإعلام المختلفة في العالم بأسره.

ممّا تقدّم، فإنّ مستقبل الجزائر مرهون بتثمين الكفاءات والطاقات وعلى السلطات العمومية أن تأخذ مسؤولياتها كاملة على أن يكون ذلك بشكل فعلي وفعّال. وما يجب ضمانه في ذلك هو الرؤية الصائبة والإستراتيجية الجيّدة وكذلك تنسيق الجهود بين مختلف الأطراف التي تأخذ بزمام أمور الشباب وأصحاب المشروعات، وخاصة منها تلك التي تكون وليدة التفكير والجهدي العلمي والتكنولوجي بما يتماشى مع العالم المعاصر. ومعنى هذا هو أنّ ليس في مقدرة مؤسسة معيّنة واحدة أو جهاز حكومي أو خاص واحد أن يقوم بمهام التكفل بالطاقات عبر مختلف مناطق الوطن. فالربط والتعاون والتنسيق بين مؤسسات التعليم والتكوين وأجهزة دعم التشغيل والمؤسسات المالية وغيرها أصبح أمراّ ضرورياّ حتى لا تضيع الإستثمارات والجهود.

في بلادنا الحبيبة توجد طاقات بشرية معتبرة ورأسمال فكري هائل يستوجب العناية الكاملة والعاجلة، وذلك بالتوجيه والتكوين والتحفيز والدعم المالي وغير ذلك، وأينما كانت هذه الطاقات سواء في الجامعات أو المدارس العليا أو مؤسسات التكوين أو المنظمات العموميّة والخاصّة. وفي هذا الإطار، فقد أصبح دور مؤسسات التعليم والتكوين ليس فقط نقل المعلومات والمعارف ولكن تمكين الطلبة والمتكونين وحتّى الباحثين من إنشاء منشىآتهم خدمة للاقتصاد والمجتمع ولما لا الإنسانية بكاملها.

وإنّ المبادرات والجهود المبذولة في مؤسسات التعليم العالي عبر تأسيس “دار المقاولاتية”، مع إطلاق مواقع إلكترونيّة تابعة لها، ومنها حملات التوعيّة والتحسيس والتكوين لفائدة الأسرة الجامعيّة بكاملها ليبعث الأمل لأن تصبح جامعاتنا جامعات رياديّة تزدهر في خدمة الاقتصاد والمجتمع بمختلف فئاته ومناطقه، لتعطي الفرصة للجزائر لكي تنهض وتلتحق بالركب وتضمن تنافسيتها ضمن الأمم.

وإذا كان لابدّ من تدقيق في التعاريف والمهافيم، فإنّ “المنشأة الصاعدة” هي التي تتأسّس إنطلاقاً من فكرة مبدعة ومبتكرة ترتكز على المعرفة العلميّة والتكنولوجيّة، وهنا، فإنّ الجامعة تتميّز عن غيرها بقدراتها وإمكانياتها في ضمان ذلك.

 

الأستاذ الدكتور: م. سعيد أوكيل